مهرجان كعك القمر أو مهرجان منتصف الخريف في ماليزيا
ينعقد مهرجان كعك العيد في كوالالامبور في شهر سبتمبر من كل عام، وهو ثامن أشهر السنة. الآن وقبل أن تنظروا فيما قلت لكم، كنت آكل كميات كبيرة من الكعك أو أشرب قدراً كبيراً من الكحول، دعوني أخبركم لماذا.
إنّها بسيطة جداً. إنّ السنة الصينية الجديدة تبدأ في شهر فبراير، لذلك فإنّ شهر سبتمبر ليس فعلاً الشهر التاسع في التقويم الماليزي. ولكن بغض النظر عن التقويم الذي تستخدمونه فإنّ هذا المنظر غاية في الجمال، خصوصاً أثناء الليل عندما تكون أضواء المدينة مصحوبةً بالفوانيس الورقية الملونة ذات الأشكال والأحجام المتعددة، حيث تكون معروضة خارج المنازل أو المحال التجارية أو مواكب السيارات في الشوارع.
ملفات البخور منظر شائع في مناطق ماليزيا المختلفة وبالتحديد في بعض محافظات مثل تشاينا تاون في كوالالامبور. التقط الصورة: جوان لين.
يتم الاحتفال بهذا المهرجان ابتهاجاً بنهاية موسم الحصاد، ولكنه يجسد أيضاً إسقاط أمراء الحرب المنغوليين في الصين القديمة. في هذه النقطة علينا جميعاً أن نعود إلى الوراء إلى العام 1280 لبعض الشرح. ففي ذلك العام أطاح المنغوليين بسلالة السوونغ التي حكمت الصين وفرضت ابانها سلالة اليوان.
أنت الآن بصدد السؤال عن أهمية هذه الوقائع بالنسبة لماليزيا، أليس كذلك؟ في الحقيقة هناك العديد من الصينيين في ماليزيا. وحتى فترة قريبة جداً من الزمن كانوا هم المجموعة العرقية الكبرى في البلاد. وبالرغم من ذلك فقد تغيرت الأمور الآن ولم يعودا أغلبية. وفي الوقت الذي نرى فيه ميزان القوة بات في صالح الماليزيين، إلا أنّه يتم الاحتفال بالأعياد الصينية وبصدر رحب. في الحقيقة إنّ جمهورية ماليزيا المتعددة الأعراق تحتفل بجميع الأعياد والمناسبات وبكل التقاليد، على نحو يشمل الأعياد الهندوسية، والبوذية، والطاوية، والأعياد مسيحية الأصل.
لقد عانى الصينيون من النظام المنغولي الظالم، فكان من الطبيعي أن ينتهزوا الفرص المناسبة للقضاء عليه. لقد جهزت العديد من المخططات في اليوم الخامس عشر من الشهر الثامن لقتال المنغوليين، وهي ليلة اكتمال القمر وبزوغه كبدر كامل. ولكي يمنع الصينيون المنغوليين من اكتشاف الانتفاضة المخطط لها، قاموا بتحضير العديد من أطباق الكعك وتشكيلها على شكل القمر وقاموا بتوزيعها تحت ذريعة تكريم الإمبراطور المنغولي. وفي داخل الكعك فقد وضع الصينيون رسالة تحتوي على تفاصيل عن الثورة المزمع القيام بها. لقد كان هذا الأجراء إجراءً ناجحاً وبالفعل فقد نجحت الثورة وصعد إلى السلطة بلاً من المنغوليين عائلة المينغ الحاكمة عام 1368.
وفي أيامنا هذه تشكل الفوانيس جزءاً كبيراً من الاحتفال، فهي تذكّر الناس بالوقت الذي كانت به الفوانيس المصدر الوحيد للضوء. إنّ الأطفال وبالخصوص يحبون هذا الجانب من المهرجان وهم دائماً يطوفون بشكل دائري وبأيديهم فوانيس على أشكال حيوانات، وعادةّ ما يعرف هذا الحدث بالتحديد في ماليزيا “بموكب الفوانيس”. هناك أيضاً مواكب فوانيس أخرى أثناء احتفالات رأس السنة الصينية.
من أحد أفضل مشاهد “فوانيس مهرجان كعك القمر” هو “معبد ثين هو” على “تلة روبسون”.في عام 2011 عقد موكب فوانيس في السوق المركزية بمدينة تشاينا تاون.
إنّ أفضل تحدٍّ في المهرجان هو بالطبع ما الذي تريدون أن تأكلونه. يتكون قالب كعك القمر الدائري من حلوى أو نكهة طيبة. وفي الغالب ما يقوم الصيني الأصغر بتقديم هذه الأطباق لمن هو أكبر منه، وذلك لكسب بعض المصالح. إنّ أكل كعكة القمر في السوق يدخل السرور والبهجة. وكذلك هو الحال بالنسبة لمضغ المعجنات المحشوة بالفاصولياء الحمراء أو لحم الخنزير أو صفار البيض الدسم. بعض هذه الفطائر محلاة بالشوكولاه أو نكهات القرفة، وبعضها الآخر يحتوي على مذاق ماليزي مميز مع أوراق الباندان ونبات الدوريان من الداخل – ما أطيبه من مذاق!
كعك القمر، الصورة: سوء تصرف (كعك القمر، حملها أتلاسلين)
إنّ المكان الأفضل لتناول هذه الوجبات الشهية في كوالالامبور هو جالان بيتالينغ في تشاينا تاون، حيث توفر لك المطاعم هذه الأطباق بصناديق ملونة بألوان لامعة.
في الوقت الذي قد لا تتعجبوا من الشكل الدائري لأطباق كعك القمر، إلا أنّ أشكالها تعبّر عن وحدة العائلة بالنسبة للصينيين. من هنا فإنّ الصينيين في ماليزيا يحيون المهرجان باجتماعات للعائلات وبالصلوات.
هناك تقاليد متبعة في هذه الإطار. ففي عائلات هاليكا وفوتشاو الصينية فإنّ المرة الأكبر تؤم بالمصلين في لحظة اكتمال البدر. قبل أن تأكل كعكة القمر يتم تقديمها في مذابح للآلهة، مع إجراءات الإضاءة المتبعة لعصي الجوس والشموع الحمر، وبالتزامن مع حرق ورقة الجوس الذهبية. وبعد ذلك بثلاثين دقيقة، يبدأ الصينيون بتناول الطعام.
خلال تناولك لطبق كعكة القمر، أبق جزءاً من نظرك للجميلة تشانغ إر. فمن قبيل الخرافة، يقال بأنّ إير ابتلعت إكسير الحياة عن طريق الصدفة، الأمر الذي جعلها خالدة لا تموت وهي الآن تعيش على القمر.
أمّا جمالها فيبدو على أنّه في ذروة شبابه في اليوم الثامن من الشهر وبعض الصينيون يحرقون البخور ويقدمون العروض بالنيابة عنها في ثامن اكتمال للقمر من كل عام.
من المهرجانات الصيني الأخرى والمحبوبة في أنحاء ماليزيا هو مهرجان الوحش الجائع.
إذا فاتتك الفرصة في حضور مهرجان كعكة القمر هذا العام فإن ماليزيا تزخر بثروة غنية من الأعياد والمناسبات العامة والخاصة. هناك أربع وأربعون عيداً رسمياً في كل عام، وتستند هذه الأعياد بشكل كبير إلى التقويم الإسلامي أو الهندوسي أو الصيني.
معبد غواندي في تشاينا تاون، كوالالامبور. التقط الصورة: كوان لين